فصل: تفسير الآية رقم (114):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (114):

{قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114)}
{وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ} أي الله تعالى أو الملك. وقرأ الأخوان {قُلْ} على الأمر كما قرآ فيما مر كذلك.
وفي الدر المصون الفعلان في مصاحف الكوفة بغير ألف وبألف في مصاحف مكة. والمدينة: والشام. والبصرة، ونقل مثله عن ابن عطية، وفي الكشاف عكس ذلك وكأن الرسم بدون ألف يحتمل حذفها من الماضي على خلاف القياس وفي رسم المصحف من الغرائب ما لا يخفى فلا تغفل.
{إِن لَّبِثْتُمْ} أي ما لبثتم {إِلاَّ قَلِيلًا} تصديق لهم في مقالتهم {لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} أي تعلمون شيئًا أو لو كنتم من أهل العلم، و{لَوْ} شرطية وجوابها محذوف ثقة بدلالة الكلام عليه أي لو كنتم تعلمون لعلمتم يومئذٍ قصر أيام الدنيا كما علمتم اليوم ولعملتم وجب ذلك ولم يصدر منكم ما أوجب خلودكم في النار وقولنا لكم: {اخسئوا فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ} [المؤمنون: 108] وقيل المعنى لو كنتم تعلمون قلة لبثكم في الدنيا بالنسبة للآخرة ما اغتررتم بها وعصيتم، وكأن نفي العلم بذلك عنهم على هذا لعدم عملهم وجبه ومن لم يعمل بعلمه فهو والجاهل سواء.
وقدر أبو البقاء الجواب لما أجبتم بهذه المدة، ولعله يجعل الكلام السابق ردًا عليهم لا تصديقًا وإلا لا يصح هذا التقدير، وجوز أن تكون {لَوْ} للتمني فلا تحتاج لجواب، ولا ينبغي أن تجعل وصلية لأنها بدون الواو نادرة أو غير موجودة، هذا وقال غير واحد من المفسرين: المراد سؤالهم عن مدة لبثهم في القبور حيث أنهم كانوا يزعمون أنهم بعد الموت يصيرون ترابًا ولا يقومون من قبورهم أبدًا.
وزعم ابن عطية أن هذا هو الأصوب وأن قوله سبحانه فيما بعد: {وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115] يقتضيه وفيه منع ظاهر، ويؤيد ما ذهبنا إليه ما روي مرفوعًا «أن الله تعالى إذا أدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار قال: يا أهل الجنة كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يومًا أو بعض يوم قال: لنعم ما أنجزتم في يوم أو بعض يوم رحمتي ورضواني وجنتي امكثوا فيها خالدين مخلدين ثم يقول: يا أهل النار كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يومًا أو بعض يوم فيقول بئسما أنجزتم في يوم أو بعض يوم ناري وسخطي امكثوا فيها خالدين مخلدين».

.تفسير الآية رقم (115):

{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)}
{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خلقناكم عَبَثًا} أي ألم تعلموا شيئًا فحسبتم أنما خلقناكم بغير حكمة حتى أنكرتم البعث فعبثًا حال من نون العظمة أي عابثين أو مفعول له أي أفحسبتم أنما خلقناكم للعبث وهو ما خلا عن الفائدة مطلقًا أو عن الفائدة المعتد بها أو عما يقاوم الفعل كما ذكره الأصوليون.
واستظهر الخفاجي إرادة المعنى الأول هنا واختار بعض المحققين الثاني {وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ} عطف على {أَنَّمَا خلقناكم} أي أفحسبتم ذلك وحسبتم أنكم لا تبعثون.
وجوز أن يكون عطفًا على {عَبَثًا} والمعنى أفحسبتم أنما خلقناكم للعبث ولترككم غير مرجوعين أو عابثين ومقدرين أنكم إلينا لا ترجعون، وفي الآية توبيخ لهم على تغافلهم وإشارة إلى أن الحكمة تقتضي تكليفهم وبعثهم للجزاء. وقرأ الأخوان {تُرْجَعُونَ} بفتح التاء من الرجوع.

.تفسير الآية رقم (116):

{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)}
{فتعالى الله} استعظام له تعالى ولشؤونه سبحانه التي يصرف عليها عباده جل وعلا من البدء والإعادة والإثابة والعقاب وجب الحكمة البالغة أي ارتفع سبحانه بذاته وتنزه عن مماثلة المخلوقين في ذاته وصفاته وأفعاله وعن خلو أفعاله عن الحكم والمصالح الحميدة.
{الملك الحق} أي الحقيق بالمالكية على الإطلاق إيجادًا وإعدامًا بدأ وإعادة إحياء وإماتة عقابًا وإثابة وكل ما سواه مملوك له مقهور تحت ملكوتيته، وقيل: الحق أي الثابت الذي لا يزول ولا يزول ملكه، وهذا وإن كان أشهر إلا أن الأول أوفق بالمقام {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} فإن كل ما عداه عبيده تعالى: {رَبُّ العرش الكريم} وهو جرم عظيم وراء عالم الأجسام والأجرام وهو أعظمها وقد جاء في وصف عظمه ما يبهر العقول فيلزم من كونه تعالى ربه كونه سبحانه رب كل الأجسام والأجرام، ووصف بالكريم لشرفه وكل ما شرف في بابه وصف بالكرم كما في قوله تعالى: {وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} [الدخان: 26] وقوله سبحانه: {وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23] إلى غير ذلك.
وقد شرف بما أودع الله تعالى فيه من الأسرار، وأعظم شرف له تخصيصه باستوائه سبحانه عليه، وقيل إسناد الكرم إليه مجازي والمراد الكريم ربه أو المراد ذلك على سبيل الكناية، وقيل: هو على تشبيه العرش لنزول الرحمة والبركة منه بشخص كريم ولعل ما ذكرناه هو الأظهر.
وقرأ أبان بن تغلب. وابن محيصن. وأبو جعفر. وإسماعيل عن ابن كثير {الكريم} بالرفع على أنه صفة الرب، وجوز أن يكون صفة للعرش على القطع وقد يرجح بأنه أوفق بقراءة الجمهور.

.تفسير الآية رقم (117):

{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)}
{وَمَن يَدْعُ} أي يعبد {مَعَ الله} أي مع وجوده تعالى وتحققه سبحانه: {وَلاَ تَجْعَلُواْ} إفرادًا أو إشراكًا أو من يعبد مع عبادة الله تعالى إلهًا آخر كذلك، ويتحقق هذا في الكافر إذا أفرد معبوده الباطل بالعبادة تارة وأشركه مع الله تعالى أخرى، وقد يقتصر على إرادة الإشراك في الوجهين ويعلم حال من عبد غير الله سبحانه إفرادًا بالأولى.
وذكر {ءاخَرَ} قيل إنه للتصريح بألوهيته تعالى وللدلالة على الشريك فيها وهو المقصود فليس ذكره تأكيدًا لما تدل عليه المعية وإن جوز ذلك فتأمل.
نعم قوله تعالى: {لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} صفة لازمة لإلها لا مقيدة جيء بها للتأكيد، وبناء الحكم المستفاد من جزاء الشرط من الوعيد بالجزاء على قدر ما يستحق تنبيهًا على أن التدين بما لا دليل عليه ممنوع فضلًا عما دل الدليل على خلافه، ويجوز أن يكون اعتراضًا بين الشرط والجزاء جيء به للتأكيد كما في قولك: من أحسن إلى زيد لا أحق منه بالإحسان فالله تعالى مثيبه.
ومن الناس من زعم أنه جواب الشرط دون قوله تعالى: {فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبّهِ} وجعله تفريعًا على الجملة وليس بصحيح لأنه يلزم عليه حذف الفاء في جواب الشرط ولا يجوز ذلك كما قال أبو حيان إلا في الشعر.
والحساب كناية عن المجازاة كأنه قيل: من يعبد إلهًا مع الله تعالى فالله سبحانه مجاز له على قدر ما يستحقه {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكافرون} أي إن الشأن لا يفلح إلخ.
وقرأ الحسن. وقتادة {أَنَّهُ} بالفتح على التعليل أو جعل الحاصل من السبك خبر {حِسَابُهُ} أي حسابه عدم الفلاح، وهذا على ما قال الخفاجي من باب:
تحية بينهم ضرب وجيع

وبهذا مع عدم الاحتياج إلى التقدير رجح هذا الوجه على سابقه وتوافق القراءتين عليه في حاصل المعنى، ورجح الأول بأن التوافق عليه أتم، وأصل الكلام على الأخبار فإنما حسابه عند ربه أنه لا يفلح هو فوضع {الكافرون} موضع الضمير لأن {مِنْ يَدُعُّ} في معنى الجمع وكذلك حسابه أنه لا يفلح في معنى حسابهم أنهم لا يفلحون.
وقرأ الحسن {يُفْلِحُ} بفتح الياء واللام، وما ألطف افتتاح هذه السورة بتقدير فلاح المؤمنين وإيراد عدم فلاح الكافرين في اختتامها، ولا يخفى ما في هذه الجمل من تسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأنه سبحانه بعد ما سلاه بذكر مآل من لا ينجع دعاؤه فيه أمره بما يرمز إلى متاركة مخالفيه فقال جل وعلا.

.تفسير الآية رقم (118):

{وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118)}
{وَقُل رَّبّ} وقرأ ابن محيصن {رَبّ} بالضم {اغفر وارحم وَأنتَ خَيْرُ الرحمين} والظاهر أن طلب كل من المغفرة والرحمة على وجه العموم له عليه الصلاة والسلام ولمتبعيه وهو أيضًا أعم من طلب أصل الفعل والمداومة عليه فلا إشكال، وقد يقال في دفعه غير ذلك، وفي تخصيص هذا الدعاء بالذكر ما يدل على أهمية ما فيه، وقد علم صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أن يقول نحوه في صلاته.
فقد أخرج البخاري. ومسلم. والترمذي. والنسائي. وابن ماجه. وابن حبان. وجماعة عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه أنه قال: يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال: «قل اللهم أني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم» ولقراءة هذه الآيات أعني قوله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ} [المؤمنون: 115] إلى آخر السورة على المصاب نفع عظيم وكذا المداومة على قراءة بعضها في السفر.
أخرج الحكيم الترمذي. وابن المنذر. وأبو نعيم في الحلية وآخرون عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قرأ في أذن مصاب {أَفَحَسِبْتُمْ} [المؤمنون: 115] حتى ختم السورة فبرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. «والذي نفسي بيده لو أن رجلًا موقنًا قرأ بها على جبل لزال».
وأخرج ابن السني. وابن منده. وأبو نعيم في المعرفة بسند حسن من طريق محمد بن إبراهيم بن الحرث التميمي عن أبيه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية وأمرنا أن نقول إذا أمسينا وأصبحنا {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خلقناكم عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115] فقرأناها فغنمنا وسلمنا هذا والله تعالى المسؤول لكل خير.
ومن باب الإشارة في الآيات: قيل {قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون} [المؤمنون: 1 أي وصلوا إلى المحل الأعلى والقربة والسعادة {الذين هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خاشعون} [المؤمنون: 2] ظاهرًا وباطنًا، والخشوع في الظاهر انتكاس الرأس والنظر إلى موضع السجود وإلى ما بين يديه وترك الالتفات والطمأنينة في الأركان ونحو ذلك، والخشوع في الباطن سيكون النفس عن الخواطر والهواجس الدنيوية بالكلية أو ترك الاسترسال معها وحضور القلب لمعاني القراءة والأذكار ومراقبة السر بترك الالتفات إلى المكونات واستغراق الروح في بحر المحبة، والخشوع شرط لصحة الصلاة عند بعض الخواص نقل الغزالي عن أبي طالب المكي عن بشر الحافي من لم يخشع فسدت صلاته وهو قول لبعض الفقاء وتفضيله في كتبهم، ولا خلاف في أنه لا ثواب في قول أو فعل من أقوال أو أفعال الصلاة أدى مع الغفلة؛ وماأقبح مصل يقول: {الحمد للَّهِ رَبّ العالمين} [الفاتحة: 2] وهوغافل عن الرب جل شأنه متوجه بشراشره إلى الدرهم والدينار ثم يقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] وليس في قلبه وفكره غيرهما، ونحو هذا كثير، ومن هنا قال الحسن: كل صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع.
وقد ذكروا أن الصلاة معراج المؤمن أفترى مثل صلاة هذا تصلح لذلك حاش لله تعالى من زعم ذلك فقد افترى {والذين هُمْ عَنِ اللغو مُّعْرِضُونَ} [المؤمنون: 3] قال بعضهم: اللغو كل ما يشغل عن الحق عز وجل.
وقال أبو عثمان: كل شيء فيه للنفس حظ فهو لغو، وقال أبو بكر بن طاهر: كل ما سوى الله تعالى فهو لغو {والذين هُمْ للزكواة فاعلون} هي تزكية النفس عن الأخلاق الذميمة {والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافظون إِلاَّ على أزواجهم أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهم فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 5، 6] إشارة إلى استيلائهم على القوة الشهوية فلا يتجاوزون فيها ما حد لهم، وقيل: الإشارة فيه إلى حفظ الأسرار أي والذي هم ساترون لما يقبح كشفه من الأسرار عن الأغيار إلا على أقرانهم ومن ازدوج معهم أو على مريديهم الذين هم كالعبيد لهم {والذين هُمْ لاماناتهم}.
قال محمد بن الفضل: سائر جوارحهم {وَعَهْدِهِمْ} الميثاق الأزلي {راعون} [المؤمنون: 8] فهم حسنو الأفعال والأقوال والاعتقادات {وَالَّذِينَ هُمْ على صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ} فيؤدونها بشرائطها ولا يفعلون فيها وبعدها ما يضيعها كارياء والعجب {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سلالة مّن طِينٍ} [المؤمنون: 12] قيل المخلوق من ذلك هو الهيكل المحسوس وأما الروح فهي مخلوقة من نور إلهي يعز على العقول إدراك حقيقته، وفي قوله سبحانه: {ثُمَّ خَلَقْنَا النطفة عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العلقة مُضْغَةً فَخَلَقْنَا} [المؤمنون: 14] إشارة إلى نفخ تلك الروح المخلوقة من ذلك النور وهي الحقيقة الآدمية المرادة في قوله صلى الله عليه وسلم {خَلَقَ الله تَعَالَى ءادَمَ على} أي على صفته سبحانه من كونه حيًا عالمًا مريدًا قادرًا إلى غير ذلك من الصفات {تُبْعَثُونَ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الخلق غافلين} [المؤمنون: 17] إشارة إلى مراتب النفس التي بعضها فوق بعض وكل مرتبة سفلى منها تحجب العليا أو إشارة إلى حجب الحواس الخمس الظاهرة وحاستي الوهم والخيال، وقيل غير ذلك {وَأَنزَلْنَا مِنَ السماء} قيل أي سماء العناية {مَاء} أي ماء الرحمة {بِقَدَرٍ} أي ذار استعداد السالك {فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأرض} [المؤمنون: 18] أي أرض وجوده {فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جنات مّن نَّخِيلٍ} أي نخيل المعارف {وأعناف} أي أعناب الكشوف، وقيل النخيل إشارة إلى علوم الشريعة والأعناب إشارة إلى علوم الطريقة {وأعناب لَّكُمْ فِيهَا فواكه كَثِيرَةٌ} هي ما كان منها زائدًا على الواجب {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [المؤمنون: 19] إشارة إلى ما كان واجبًا لا يتم قوام الشريعة والطريقة بدونه {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء} إشارة إلى النور الذي يشرق من طور القلب بواسطة ما حصل له من التجلي الإلهي{تَنبُتُ بالدهن وَصِبْغٍ لّلاكِلِيِنَ} [المؤمنون: 20] أي تنبت بالجامع لهذين الوصفين وهو الاستعداد، والآكلين إشارة إلى المغدين بأطعمة المعارف {ادفع بالتى هي أَحْسَنُ السيئة} [المؤمنون: 96] فيه من الأمر كارم الأخلاق ما فيه {وَقُل رَّبّ اغفر وارحم وَأنتَ خَيْرُ الرحمين} [المؤمنون: 118] فيه إشارة إلى أنه لا ينبغي الاغترار بالأعمال وإرشاد إلى التشبث برحمة الملك المتعال، نسأل الله تعالى أن يوفقنا لطاعته ويغفر لنا ما ارتكبناه من مخالفته ويتفضل علينا بأعظم مما نؤمله من رحمته كرامة لنبيه الكريم وحبيبه الذي هو بالمؤمنين رؤوف رحيم صلى الله تعالى عليه وعلى له وصحبه وسلم وشرف وعظم وكرم.